لا حرب من دون هدف سياسي أو أقله من دون «استراتيجية خروج». وليس من المتوقع، بطبائع الأمور، أن يتخلى «حزب الله» عن الغموض ليحدد علناً الهدف السياسي من وراء الحرب على جبهة الجنوب لإسناد «حماس» في حرب غزة. ومن الصعب التصور أن ربط الحرب على الجبهة الجنوبية بنهاية حرب غزة، وبالتالي تأجيل كل شيء في لبنان إلى ما بعد حرب غزة، هو خطوة غير مدروسة لأن نهاية حرب غزة مرتبطة بقرار العدو الإسرائيلي، لا بقرار «حماس». لكن الوقائع تطرح كثيراً من الأسئلة. وإذا كانت حكومة نتنياهو تتخبط في تحديد الهدف السياسي لحرب الإبادة في غزة التي اندفعت فيها من دون «استراتيجية خروج» ولا رغبة في نقاش «اليوم التالي»، فإن السؤال عن «اليوم التالي» بعد الحرب في لبنان لا يزال حائراً بلا جواب واضح.
ذلك أن كل ما يقال في التنظير ويدور في الميدان لا يلغي كون الحرب محكومة بسقف محدد إقليمياً ودولياً ضمن ما تسمى «قواعد الإشتباك»، بصرف النظر عن التوسع في تلك القواعد. ونحن، بكلام آخر، في حرب إستنزاف. وإذا كانت «الحرب الوقائية مثل الإنتحار خوفاً من الموت» كما قال موحّد ألمانيا بسمارك، فإن حرب الإستنزاف تنتهي إلى واحد من أمرين لا ثالث لهما: إما أن تكون مرحلة تحضيرية في الاستعداد لحرب شاملة كما حدث في حرب 1973 بعد حرب الإستنزاف على جبهتي سيناء والجولان، وإما أن تبقى مجرد مراوحة في المكان، دامية ومكلفة بشرياً وإقتصادياً وعمراناً من دون تسجيل نصر عسكري أو تحقيق هدف سياسي.
وبصرف النظر عن خطاب الإستعداد لكل الإحتمالات، فإن القرار الأميركي والإيراني، بتنسيق أو من دون تنسيق، هو منع الذهاب إلى حرب شاملة بين إسرائيل و»حزب الله». ولا يبدل في الأمر أن حكومة نتنياهو تهدد يومياً بحرب شاملة بمقدار ما تتخوف من مفاعليها على العمق الإسرائيلي بعد الشلل الذي أصاب الجليل. ولا أن «حزب الله» يقول يومياً إنه جاهز لها، وإن كان لا يريد الإنزلاق إليها في الظروف الحالية.
لكن اللافت هو أن «محور المقاومة» يعمل على أساس أنه سيحقق حتى في حرب الإستنزاف حلقة جديدة في سلسلة «النصر الإلهي» مفتوحة على هدف سياسي مهم. هدف على المستوى المحلي في لبنان. وهدف أكبر على المستوى الإقليمي. شيء من إكمال «الثنائي الشيعي» القبض على كل اللعبة في لبنان، سواء عبر استمرار الشغور الرئاسي، وهذا هو الأرجح، أو عبر ملء الشغور بمقعد في منصب من دون سلطة.
وقمة السخرية بالبلد أن يصبح لقاء دوري بين سفراء «الخماسية» العربية والدولية «حدثاً» تدور حوله الآمال والتحليلات، وتتنوع القراءات في بيان صدر عنه و»حث» على انتخاب رئيس للجمهورية قبل نهاية أيار الحالي. فالكل يعرف أن المشكلة هي تعليق الدستور، وليست غياب الحوار أو المشاورات. ولا شيء يزحزح «محور التعطيل» عن التمسك بالموقف الرافض لفك الإرتباط بحرب غزة سواء بالنسبة إلى الرئاسة أو بالنسبة إلى وقف النار وتسوية التحفظ عن نقاط على «الخط الأزرق» لإظهار الحدود الدولية. وكل ذلك في رهان على متغيرات وترتيبات إقليمية تأخذ إيران فيها حصتها ودورها على مساحة أوسع مما لديها حالياً في أربع عواصم عربية.
كان إبن خلدون يركز على الفصل بين «ظاهر التاريخ وباطنه». لكن لبنان محكوم، مثل دول أخرى، بالظاهر والباطن من تاريخ يراد استدعاؤه إلى الحاضر والمستقبل.
المصدر: نداء الوطن